• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإصلاح مسؤولية الجميع

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

الإصلاح مسؤولية الجميع

◄إنّ معرفة أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآثارها وعواقب تركها ليس اكتشافاً حديثاً؛ بل مع أُمّة الإسلام ومع المسلمين منذ بدء الدعوة الإسلامية وهناك الكثير من نصوص القرآن والسنة الشريفة المتحدثة عن هذه الفريضة وقيمتها.

ولكن لماذا يا ترى يقصر أبناء الأُمّة الإسلامية في أداء تكليفهم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولماذا لايلتفت الكثير من المنتسبين إلى الإسلام إلى هذا الواجب الشديد الأهمية والحساسية.

فلو سألتهم بأغلبهم عن من هو المسؤول عن الإصلاح في المجتمع لما تردد أكثرهم عن أن يسمعك قول رسول الله (ص): "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته".

ونضيف أنّ القرآن الكريم حدّد نوع العلاقة بين مجتمع المؤمنين بالولاية قائلاً: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة/ 71).

فكل واحد من المؤمنين تربطه بباقي الأفراد رابطة الولاء، وهو مسؤول تجاه أخيه المؤمن بأداء حق هذه الرابطة بما يتعلق بجميع أنحاء وجوده، ثمّ يكمل المولى عزّ وجلّ مبيناً كيف تُؤدى هذه المسؤولية: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71).

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناشئان من الولاية التي تشكل الرباط بين أعضاء المجتمع الإسلامي، وهو الممارسة العملية لهذا التوحد العاطفي والعملي لأبناء المجتمع ولذا فمسؤولية كلّ فرد أن يأخذ موقعه في نصرة المجتمع من خلال القيام بواجبه هذا.

ولكن قد نقع في حالة إهمال لهذه المسؤولية، فما هي العوامل التي تجعل أبناء الأُمّة يتخلفون عن أداء هذا الواجب المقدس؟

لابدّ من البحث عن هذه الأسباب بادئين بالأسباب النفسية التي تعود إلى مشكلات تتعلق بشخصية الأفراد.

 

العلاقة النفعية بأحكام الإسلام:

يقول الإمام الحسين (ع): "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون".

1-    ارتباط الإنسان بالدنيا:

هناك مرض خطير يصيب الإنسان بشكل عام وإذا أصاب المسلمين تكون له تجليات، وهو نوع ارتباط الإنسان بالدنيا والذي ينعكس على خطواته في حياته، فإذا كان الإنسان شديد الحب للدنيا وشديد الرغبة فيها فإن هذا سيقلب أولوياته بمعنى أن يقدم دنياه على آخرته، فيتحوط لكل خطر على نفسه وماله وعائلته، بينما لا يبالي بما يؤدي إلى حفظ الكيان الإسلامي العام، وعليه فأمثال هؤلاء سيتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا شكل أداؤهما مانعاً مقابل بعض المنافع الدنيوية.

وقد يتطور هذا المرض إلى حد تحوله من مشكلة هروب من تكلفة القيام بالفريضة إلى حيث تصبح العلاقة بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علاقة نفعية، فيكون الإنسان عبداً لجشعه ولرغبته في تحصيل منافع أكبر، فيفقد الحماس لدينه ومعه يفقد القدرة على الأمر والنهي لأن همه في انتفاعه مما يقوم به.

2-    ضعف الحمية الدينية:

إنّ القرآن الكريم يحدثنا عن حمية الكافرين ويعتبرها حمية الجاهلية. (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) (الفتح/ 26)، معرضاً بهذا النوع من الحمية، ولكن هناك حمية إيمانية هي مطلوبة بقدر مبغوضية حمية الكفار.

ومعنى الحمية الدينية هي وجود هذه الغيرة في نفوس المؤمنين على دين الله وعقائده ومقدساته بوجه الذين يتعدون حدود الله وينتهكون حرمات الدين والمسلمين.

3-    عدم الثقة بالقدرة على التأثير:

قد يترك بعض المسلمين أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبررين ذلك بأنّ أمرهم ونهيهم لا يؤثر وبالتالي فالناس لا تتجاوب مع دعواتهم وهم يظهرون استياءهم من حال الناس الذين يتركون المعروف ويرتكبون المنكرات، إلا أنهم يجدون لأنفسهم الأعذار فيما لو تركوا أداء هذه الفريضة بأن أمرهم ونهيهم لا يؤثر وبالتالي فقد سقط هذا التكليف بحقهم وأبرئت بذلك ذمتهم وخلصوا من مسؤوليتهم من شيوع المفاسد في المجتمع.

فكل ما يرونه في إنجاز هذا التكليف هو القول باللسان وبشكل فردي، مع العلم أنّ الغرض هو قلع المنكر ونشر المعروف وعليه فالمطلوب أكثر من القول، المطلوب العمل إضافة إلى القول والقيام بعمل جماعي إن لم ينفع العمل الفردي.

4-    عدم الاستعداد للتضحية:

يعتقد البعض أنّ الحفاظ على مقاماتهم وشخصياتهم ومتعلقات هذين الأمرين له درجة الأولوية، لذلك فهم يداهنون أهل المعاصي ويسايرونهم فلا يعيبون عليهم فعلهم، وقد جاء في الرواية أن شعيباً (ع) سأل الله عن علة إهلاكه عدداً من قومه منهم ستون ألفاً من الأخيار فأجابه تعالى وحياً بأنّهم: "داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي".

فأمثال هؤلاء يستكثرون التضحية في سبيل دينهم ويستسهلون غضب الله وسخطه، بينما يستصعبون ويتألمون من غضب الناس حتى وإن كان لا يتجاوز اللوم.

قال الإمام الصادق (ع): "لا تسخطوا الله برضى أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلى أحد من الخلق بتباعد من الله عزّ وجلّ".

إنّ الدين، ومن أشرف تكاليفه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقوم بحقه إلا من كان لديه الإستعداد الكامل للبذل والتضحية بكل ما تقتضيه عملية إقامة الدِّين في الأرض وحماية تعاليمه وحفظ حرماته. وعليه فالذين لا يملكون هذه الروحية وهذا الاستعداد لن يوفقوا للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقد رسم الإمام عليّ (ع) في بعض وصاياه موقع المال والنفس والدين وقيمة كلّ منها ومقامه بالنسبة إلى حياة المسلم فقال (ع): "فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أنّ الهالك من هلك دينه والمريب من خرب دينه".

 

الخُلاصة:

إنّ اللامبالاة مرض خطير وآفة عظيمة أينما كانت واتجاه أي شيء كانت فكيف إذا كانت اتجاه الدِّين وحرماته وأحكامه، فإنّها حينها تكون آفة الآفات لأنها تفضي وتوصل إلى الموت الأعظم الذي هو موت المشاعر والأحاسيس وبالتالي موت الروح وإن كان الجسد حياً والقلب ينبض؛ ولأنّ اللامبالاة ستؤدي إلى انتشار المرض واتساع رقعة الفساد حتى تغلب على المجتمع، لأننا بلامبالاتنا وعدم أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر سوف نجعل المفسد لا يشعر بأي مسؤولية تجاه اعماله ولن يجد ما يعترض سيره من العقبات وبالتالي فلن يأخذه التورع عن فعل أفظع المحرمات وأقبح المنكرات. وفي موعظة بليغة لنبي الله عيسى (ع)، يقول: "إنّ الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة، إلا أن يستدرك البيت الأوّل فيهدم قواعده، فلا تجد فيه النار معملاً. وكذلك الظالم الأوّل لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده أمام ظالم فيأتون به، كما لو لم تجد النار في البيت الأوّل خشباً وألواحاً لم تحرق شيئاً؛ من نظر إلى الأفعى تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته، فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه أيضاً، من نظر إلى أخيه يعمل بالمعاصي ولم يحذره حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه.►

 

المصدر: كتاب حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية (15)

ارسال التعليق

Top